Sharing is caring!
يقولون إن اللغة العربية تستغرق سبع سنوات للتعلم وعمرًا بأكمله لإتقانها. هكذا كانت تجربة الكاتبة زورا أونيل وهي غارقة في عشرات الكتب النحوية والمدرسية البالية، ولكنها واجهت اليقين بأنها هكذا ستفشل للأبد في اكتساب اللغة، وربما تصل حد الجنون، لأنها لم تقبض على سحرها من خلال الثقافات المختلفة.. وقررت هنا القفز في اتجاه مختلف.
زورا أونيل صممت جولة كبيرة عبر الشرق الأوسط، كانت نتيجتها كتاب حاز جائزة “ساتو لويل توماس” لأفضل كتاب سفر 2017، باسم” كل الغرباء هم أقارب” وقد سارت في شوارع مصر ولبنان والمغرب والإمارات، والتقت شعراء وأناس عاديين وفنانين، وكانت لديها قدرة على كسب صداقتهم وأحيانا قبول ضيافة عائلاتهم، لتحكي وتتعرف على دينامية اللغة وخبرات أهلها ولهجاتهم المختلفة.
تستمد الكاتبة عنوان الكتاب من قصيدة للشاعر الجاهلي الأشهر امرؤ القيس؛ وقيل أنها جاءت في خاتمة حياته مسمومًا بحلة أهداها له ملك الروم، بعدما وشى به أحدهم قائلا أن ابنة الملك تهواه، يقول الشاعر ما يعني أن الغربة تكشف ما بداخل أي منا وتعريه من تصنعه وتدعوه للتعاطف مع الغريب مثله، وربما قصدت الكاتبة أن هذا هو حال كل من يتعلم لغة جديدة، يقول الشاعر:
أجـارَتَنـا إنّـا غَرِيبَـانِ هَـاهُـنَا .. وكُلُّ غَرِيـبٍ للغَريـبِ نَسِيـبُ
المؤلفة لديها ولع باللغة العربية، وقد درستها في مصر ثم عادت لتطوف العالم العربي بحثا عن اللهجات، وفي رحلتها للمغرب مثلا تقابل فتاة مغربية تدعى “حورية” ونتعرف من خلالها على طقوس البيت المغربي الذي تقطن فيه مع والديها، وخطايا ارتكبتها في الماضي، ولكنك تجد بين ثنايا القصة اهتماما من المؤلفة بمفردات الحب الدقيقة في اللغة العربية فهناك “الرغبة” و”الهيام” و”العشق” و”الاشتهاء” وغيرها من ذات الدلالات الإيجابية والسلبية أحيانا في تطرف العلاقة حد إيذاء النفس والسقوط.
تقول زورا أونيل الكاتبة الأمريكية والتي تعلمت اللغة العربية في مصر، أن النصائح التي وضعتها في الكتاب من شأن اتباعها أن يجنبك “وجع الرأس والقلب” فهي لغة رغم مشقة تعلمها لكنها حقًا أمر يستحق.
وسنبدأ بالخبرات التي كتبتها زورا أونيل في موقع “mental Floss” تلخيصًا لكتابها وهي:
1- لغة واحدة ولهجات كثيرة
اللغة العربية تحمل صبغة مزدوجة؛ هناك شكل واحد للقراءة والكتابة تسمى العربية الفصحى، وشكل آخر للتحدث يختلف من بلد لآخر وهو ما يسمى بـ”اللهجات”. وتنصحك الكاتبة بأن تسعى لإتقان إحدى هذه اللهجات والمتفقة مع البلد الذي تستهدف زيارته او العمل فيه إلى جانب إتقان العربية الكلاسيكية وهو أمر يمنحك ثقة أكبر في التعامل.
2- الالتزام بلهجة …
معظم فصول اللغة في البداية هي بالعربية الفصحى الحديثة. لكن الكاتبة شعرت بصعوبة في فهم كثير مما يقال حولها من قبل العرب قبل أن تتعلم لهجة عامية، كما أن الحديث بالفصحى وحدها جعلها تبدو مضحكة وكأنها شخصية كارتونية. وهي لا تنصحك بدراسة اللهجات وإنما الاقتراب والمحادثة مع أهلها لاكتسابها بشكل طبيعي.
3- لا تنس الفصحى
إذا كان لديك أذن جيدة للغات، يمكنك التقاط أساسيات لهجة بسهولة إلى حد ما. ولكن إذا كنت من النوع الذي يحتاج إلى رؤية الكلمات المكتوبة لتذكرها، فستحصل على وقت أصعب – فهناك نقص في المواد الدراسية للهجات. وفي كلتا الحالتين، وجود مرافق معك مع دراسة الفصحى هو المفتاح للطلاقة، لأنها تمكنك من قراءة المجلات واستخدام القواميس. وبمجرد فهم منطق اللغة، يمكنك استخدام التخمين لفهم اللهجة.
4- خرائط ذهنية للكلمات
وبصرف النظر عن القهوة (cafee) والجبر (gebra)، لا يوجد الكثير من الكلمات المشتركة بين الإنجليزية والعربية الحديثة المستخدمة في الحياة اليومية. وهذا يعني أنه لا يمكنك تخمين المفردات بالطريقة التي قد تكون بها بالإسبانية أو الفرنسية، ويجب عليك الحصول على مزيد من الإبداع لجعل المفردات حاضرة في رأسك، وستحتاج للصبر لتدشين شبكة عبارات مثالية للتعبير عن مواقف مختلفة، ولكن من الهام التقاط كلمات عامية ايضا للتعبير عن تلك المواقف فالمصريون يقولون على سبيل المثال: “مفيش فلوس” أي “ليس هناك مال” .
5- البطاقات التعليمية هي صديقك.
اللغة العربية لديها بئر لا قعر لها على ما يبدو من المفردات، وهذه المفردات تختلف تبعا لما إذا كنت تقرأ صحيفة أو الاستماع إلى المسرحية الهزلية. لا تفترض أن كلمة نادرة جدا أو غريبة، وأنت تحتاج لبطاقات تعليمية تكون معها ذخيرة لغوية وتمكنك من حتى المزاج بين زملائك دونما حرج.
6- كن بسيطا
لابد أن تقاوم سحر استخدام التعبيرات والكلمات الأدبية التي لا تكون واثقا من استخدامها هكذا، ومن المرجح أن معلمك او رفاقك لن يحبذوا تعبيراتك الغريبة، بالرغم من شهرة العرب بالولع بالتعبيرات الأدبية ولكنهم يقدرون من يذكرها بوضوح وبساطة .
7- حدد الأهداف
لماذا تتعلم اللغة العربية؟ الطريقة الوحيدة لاختيار المفردات الرئيسية من بحر من المرادفات هو أن يكون إنجاز معين في الاعتبار كتعلم المحادثة مع عرب، أو قراءة كتب أدبية وما شابه.
8- حفظ العبارات الجديدة
عند قراءة الصحف ، ستجد مجموعة من العبارات مع معان خاصة جدا. تعلم هذا لتجابه تذمرك من اللغة، وهذا سيجعلك تبدو أكثر طلاقة ، وهناك كلمات بالعامية مثل “الحركة بركة” وتعني الحث على النشاط بدلا من السكون.
9- كلمات المجاملة
المجاملات في اللغة العربية تتجاوز بكثير “من فضلك” و”شكرا لكم”، بالإضافة للهجات أيضا مثل عبارة : “زوين” لمن يلبس جديدا، و”مبروك العواشر” في الأعياد.
10- استخدام التكنولوجيا بحساب
أبواب كثيرة للاستفادة من التكنولوجيا في اكتساب العربية، ومنها بالطبع الحصول على معلم عبر تطبيق إليكتروني مثل skype وهناك دورات لتعلم اللهجات والمحادثة بها كتعلم اللهجة السورية الجميلة أو المصرية الأكثر شيوعا، وتنصح مؤلفة الكتاب بألا نعتمد على ترجمة جوجل خاصة لو كنا نترجم من العربية إلى الإنجليزية، وإلا ستكون النتائج مضحكة.
11- تحدث مهما كان قليلا
وهذا ينطبق على أي لغة أجنبية، بالطبع، ولكنه ينطبق بشكل خاص على اللغة العربية، حيث يمكن لجميع القواعد النحوية والكلمات الغريبة أن تخيفك بسهولة وتجعلك مطبقا في صمتك. لحسن الحظ، ربما يكون الناطقون باللغة العربية أكثر المؤيدين حماساً في العالم لطلاب اللغة. حتى بضع كلمات من المرجح أن تكسبك الثناء والتشجيع للحفاظ على نشاطك طيلة السنوات المقبلة.
تقول مؤلفة الكتاب: بينما كنت أطوف البلدان العربية، وجدت حتى معنى الكلمات يختلف من منطقة إلى أخرى: ما كانت تعرفه بأنه كلمة ليمون في مصر هو البرتقال في لبنان. ماشي التي استخدمتها في مصر لOK يعني “لا شيء” في المغرب; كلمة لخزانة الملابس في مصر تعني الإطارات في لبنان. هذه الخلافات تضعها في مواقف محيرة،
كان ذلك أحد الأسباب التي تستشهد بها لرغبتها في تعلم اللغة العربية المنطوقة هو أن اللغة الكلاسيكية، كانت غنية وثقيلة، وفي المقابل يتعلم معظم الطلاب في العالم العربي ثلاثة أشكال من اللغة العربية: لغة القرآن، والشكل الحديث للفصحى المستخدم في الصحف والأدب، ولهجتهم المحكية الخاصة بهم.
تؤكد أزويل أن لغة القرآن الكريم وتعلمها مفتاح هام لإتقان العربية؛ كما أنها وسيلة للتدريب على النطق بدقة شديدة “التجويد”، وحرف واحد قد يقلب لك المعنى تماما.
كتاب “كل الغرباء أقارب” يجعل تعلمك للغة أبعد كثيرا من اكتساب كلمات او تحسين فرص العمل ولكنه فرصة لاكتساب خبرات حقيقية بالثقافات.